اقسام سوفسطیها و جواب به آنها
اقسام سوفسطیها و جواب به آنها
-السوفسطی و هو المنکر لوجود العلم مطلقا- لا یسلم قضیة أولى الأوائل- إذ لو سلمها کان ذلک اعترافا منه- بأن کل قضیتین متناقضتین فإن إحداهما حقة صادقة- و فیه اعتراف بوجود علم ما-.
ثم إن السوفسطی بما یظهر من الشک فی کل عقد- إما أن یعترف بأنه یعلم أنه شاک و إما أن لا یعترف- فإن اعترف بعلمه بشکه فقد اعترف بعلم ما- فیضاف إلیه تسلیمه لقضیة أولى الأوائل- و یتبعه العلم بأن کل قضیتین متناقضتین- فإن إحداهما حقة صادقة و تعقب ذلک علوم أخرى-.
و إن لم یعترف بعلمه بشکه- بل أظهر أنه شاک فی کل شیء- و شاک فی شکه لیس یجزم بشیء- لغت محاجته و لم ینجح فیه برهان-.
و هذا الإنسان إما مصاب بآفة- اختل بها إدراکه فلیراجع الطبیب- و إما معاند للحق یظهر ما یظهر- لیدحض به الحق فیتخلص من لوازمه- فلیضرب و لیعذب و لیمنع مما یحبه و لیجبر على ما یبغضه- إذ کل شیء و نقیضه عنده سواء- نعم بعض هؤلاء المظهرین للشک- ممن راجع العلوم العقلیة- و هو غیر مسلح بالأصول المنطقیة- و لا متدرب فی صناعة البرهان- فشاهد اختلاف الباحثین فی المسائل بالإثبات و النفی- و رأی الحجج التی أقاموها على طرفی النقیض- و لم یقدر لقلة بضاعته على تمییز الحق من الباطل- فتسلم طریق النقیض فی المسألة ببعد المسألة- فأساء الظن بالمنطق و زعم- أن لا طریق إلى إصابة الواقع- یؤمن معه الخطأ فی الفکر- و لا سبیل إلى العلم- بشیء على ما هو علیه-.
و هذا کما ترى قضاء بتی منه بأمور کثیرة- کتباین أفکار الباحثین و حججهم- من غیر أن یترجح بعضها على بعض و استلزام ذلک- قصور الحجة مطلقا عن إصابة الواقع- فعسى أن یرجع بالتنبیه عن مزعمته- فلیعالج بإیضاح القوانین المنطقیة- و إرائة قضایا بدیهیة لا تقبل الشک فی حال من الأحوال- کضرورة ثبوت الشیء لنفسه و امتناع سلبه عن نفسه- و لیبالغ فی تفهیم معانی أجزاء القضایا- و لیؤمر أن یتعلم العلوم الریاضیة-.
و هناک طائفتان من الشکاکین دون من تقدم ذکرهم- فطائفة یسلمون الإنسان و إدراکاته- و یظهرون الشک فی ما وراء ذلک- و طائفة أخرى تفطنوا بما فی قولهم- نحن و إدراکاتنا من الاعتراف بأن- للواحد منهم علما بوجود غیره- من الأناسی و إدراکاتهم- و لا فرق بین هذا العلم و بین غیره- من الإدراکات فی خاصة الکشف- عما فی الخارج فبدلوا الکلام من قولهم- أنا و إدراکاتی-.
و یدفعه أن الإنسان ربما یخطئ فی إدراکاته- کأخطاء الباصرة و اللامسة و غیرها من أغلاط الفکر- و لو لا أن هناک حقائق خارجیة- یطابقها الإدراک أو لا یطابقها لم یستقم ذلک-.
على أن کون إدراک النفس- و إدراک إدراکاتها إدراکا علمیا- و کون ما وراء ذلک من الإدراکات شکوکا مجازفة بینة- و من السفسطة قول القائل- إن الذی یفیده البحث التجربی أن المحسوسات- بما لها من الوجود الخارجی- لیست تطابق صورها التی فی الحس- و إذ کانت العلوم تنتهی إلى الحس- فلا شیء من المعلوم یطابق الخارج- بحیث یکشف عن حقیقة- و یدفعه أنه إذا کان الحس لا یکشف عن حقیقة المحسوس- على ما هو علیه فی الخارج- و سائر العلوم منتهیة إلى الحس حکمها حکمه- فمن أین ظهر أن الحقائق الخارجیة- على خلاف ما یناله الحس- و المفروض أن کل إدراک حسی أو منته إلى الحس- و لا سبیل للحس إلى الخارج فمآل القول إلى السفسطة- کما أن مآل القول بأن الصور الذهنیة- أشباح للأمور الخارجیة إلى السفسطة-.
و من السفسطة أیضا قول القائل- إن ما نعده علوما ظنون لیست من العلم- المانع من النقیض فی شیء- و یدفعه أن هذا القول- إن ما نعده علوما ظنون بعینه قضیة علمیة- و لو کان ظنیا لم یفد أن العلوم ظنون- بل أفاد الظن بأنها ظنون فتأمله و اعتبر-.
و کذا قول القائل أن علومنا- نسبیة مختلفة باختلاف شرائط الوجود- فهناک بالنسبة إلى کل شرط- علم و لیس هناک علم مطلق- و لا هناک علم دائم و لا کلی و لا ضروری-.
و هذه أقوال ناقضة لنفسها- فقولهم العلوم نسبیة- إن کان نفسه قولا نسبیا- أثبت أن هناک قولا مطلقا فنقض نفسه- و لو کان قولا مطلقا ثبت به- قول مطلق فنقض نفسه- و کذا قولهم لا علم مطلقا- و قولهم لا علم کلیا إن کان نفسه کلیا نقض نفسه- و إن لم یکن کلیا ثبت- به قول کلی فنقض نفسه- و کذا قولهم لا علم دائما- و قولهم لا علم ضروریا- ینقضان أنفسهما کیفما فرضا-. نعم فی العلوم العملیة شوب من النسبیة- ستأتی الإشارة إلیه إن شاء الله تعالى.
نهایه الحکمه/علامه طباطبائی/جامعه مدرسین/1402 ه ق /ص 253