علوم عقلی

علوم عقلی
طبقه بندی موضوعی
آخرین نظرات
نویسندگان


فی توضیح حدیث خلق العقل و هو مشهور ورد من عدة طرق بأسانید مختلفة تزید على عشرین متفرقة فی کتب الحدیث فمن تلک الطرق ما رواه الکلینی بإسناده الصحیح عن ابى جعفر علیه السّلام قال: لما خلق اللّه العقل استنطقه ثم قال له اقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال و عزتی و جلالی ما خلقت خلقا هو أحب الى منک و لا أکملتک إلا فیمن أحب أما إنی إیاک آمر و إیاک أنهى و إیاک أعاقب و إیاک أثیب.

أقول: قد أورد بعضهم على هذا الحدیث الشریف جملة من الإشکالات ترد علیه بحسب الظاهر و یندفع بعد التأمل.

أحدها و ثانیها: قوله استنطقه اى طلب منه النطق مع انه لیس من أفعال العقل و لا له علیه قدرة فطلبه منه مع ذلک قبیح و یلزم منه تکلیف ما لا یطاق و هو باطل بالضرورة من مذهب الإمامیة.

و الجواب أولا: ان معنى استنطقه غیر منحصر فی طلب النطق بل جملة معانیه ما قاله صاحب الصحاح ان استنطقه بمعنى کلّمه و کثیرا ما یکلم الإنسان ما لا یفهم الکلام لغرض آخر کما یکلم الدار و غرضه التحسر أو الاعتبار.

و قال الشاعر:

قف بالدیار و سلها عن أهالیها

 

عسى ترد جوابا من ینادیها

و قد ورد فی الحدیث ان تفکر ساعة خیر من قیام لیلة.

و سئل الإمام علیه السّلام عن معنى هذا التفکر فقال ان یمر بالدیار الخربة فیقول أین بانوک أین ساکنوک مالک لا تتکلمین  فالمراد من مکالمة العقل مجرد إظهار انقیاده و طاعته لا نطقه بالجواب.

و ثانیا: یحتمل ارادة المعنى المذکور فی السؤال و یکون تعالى أراد النطق من العقل مع اقداره علیه فإنه لا یمتنع ان یکون اللّه سبحانه جعل فیه قوة للنطق و الاقتدار على التعبیر عما یریده من الاعتراف له.

و ثالثا: یحتمل ان یراد بالنطق الفهم و الإدراک فإنه أحد معانیه و کثیرا ما یستعمل فیه.

و اعلم ان الوجه الأول و الثانی متقاربان فان کلمه یتضمن معنى طلب منه النطق لان الکلام یستلزم طلب الجواب غالبا و الوجه الثانی قریب باعتبار کمال قدرته تعالى على مثل ذلک و ما هو أعظم منه و من أنکر ذلک فقد أنکر قدرته تعالى و لا یخفى ان النطق لا یتوقف على وجود الجوارح من اللسان و نحوه باعتبار کمال القدرة و ان توقف على ذلک فی بنى آدم لا یلزم توقفه علیه فی المجردات لو سلم تجرد العقل ح فان لها حکما آخر.

و مما یقرب ذلک قوله أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ «2» قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ «3» وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ «4».

و رابعا: یحتمل ان یرید بالنطق المجازی أعنی الإخبار بلسان الحال و الدلالة على المقصود بأی وجه کان اى طلب تعالى من العقل ان یکون دلیلا لعباده على وحدانیته و مخبرا لهم بربوبیته بالتفکر فیه أو به‌.

و ثالثها و رابعها قوله علیه السّلام ثم قال له اقبل فأقبل ثم قال و عزتی إلخ فإن لفظة ثم موضوعة للتراخی و لا تراخى هنا بحسب الظاهر.

و الجواب أولا ان التراخی غیر معلوم الانتفاء إذ یحتمل تخلل زمان طویل أو کلام کثیر بین کل واحد من الأمور المذکورة و بین أبعده.

و ثانیا: ان ثم تأتی أیضا بمعنى الفاء أى لمجرد التعقیب من غیر تراخ کما فی قوله جرى فی الأنابیب ثم اضطرب و ثالثا: ان التراخی یعتبر فی کل مقام بحسبه کما قالوه فی التعقیب کما فی قولهم تزوج فولد له و الأمور العظیمة المهمة تستعمل فیها ثم دون الفاء و ان لم یکن تراخ ظاهر لعظم قدرها ینبغی ان تکون فی أزمنة متباعدة لقصور الزمان القلیل عنها و لو باعتبار و الادعاء أو لأنها لکثرة الاحتیاج إلیها و اهمیتها و تشوق النفوس الى العلم بها بعد الزمان القصیر المتخلل دونها أو بینها طویلا متراخیا عما قبله یشهد بذلک من تتبع کلام الفصحاء و تراکیب البلغاء.

و خامسها: ان الإقبال و الأدبار لا یتصوران من العقل بحسب الظاهر و لا تظهر لهما فائدة.

و الجواب: انه لا بعد فی اتصاف العقل بالإقبال و الأدبار بمعنى الذهاب و الإیاب و کذا النفوس و الحواس و نحوها فإنها تذهب و تجی‌ء و تفارق على وجه تصح نسبته إلیها و لا ینحصر ذلک فیما یعهد من إقبال الإنسان بوجهه و إعراضه به و الغرض فی الأمر بالإقبال و الأدبار کالغرض فی جمیع التکالیف من إظهار الانقیاد و اختبار العباد و بیان امتثال الأمر کما ان من أراد اختبار طاعة عبده یقول له اذهب ثم یقول له ارجع لإظهار الطاعة و إلزام الحجة و لا بعد فی ان یخلقه اللّه تعالى أولا على حالة یمکن اتصافه بالإقبال و الأدبار الحقیقیین و قد اعطى اللّه الجن و الملائکة قدرة التشکل بأشکال بنى آدم و غیرهم فلا یبعد ان یعطى اللّه العقل ذلک و لو فی حال الأمر بالإقبال و الأدبار على نحو ما مر فی الاستنطاق.

و سادسها: ان الإقبال و الأدبار انما یتصوران بالنسبة إلى مکان و اللّه سبحانه منزه عن المکان.

و أیضا قد ورد ان أول ما خلق اللّه العقل فعلم انه لم یکن ح مکان.

و الجواب: ان ذلک ممنوع بل الإقبال و الأدبار قد یکونان لا بالنسبة إلى مکان کما یقال اقبل على العلم و اعرض عن الجهل و لا یلزم نسبتها الى اللّه عز و جل و لا الى مکان سلمنا لکن لا تعلق لهما یکون الباری سبحانه و تعالى فی مکان بل یمکن ان یعین للعقل مکانا للإقبال و الأدبار کما یختاره و یریده و قولهم علیهم السلام أول ما خلق اللّه العقل على تقدیر ثبوته یحتمل ان یکون الأولیة فیه مخصوصة ببعض الأقسام لما ورد فی حدیث آخر من أحادیث العقل و هو أول ما خلق من الروحانیین فلا یلزم تقدم خلقه على خلق المکان مطلقا أو تقدم خلق الروحانیین کذلک یرجع الأمر إلى الجواب الأول.

و سابعها: ان التکلیف متوقف على کمال العقل و قد تضمن هذا الحدیث الشریف انه لا یکمل الا فیمن أحبه اللّه فیلزم ان یکون کل من أبغضه اللّه غیر مکلف و هو خلاف المعلوم ضرورة بالنص و یلزم أن یکون کل مکلف ممن یحبه اللّه و ان کان مرتکبا لجمیع المعاصی و الکفر و هو باطل ضرورة.

و الجواب: ان العقل على مراتب و ینقسم إلى أقسام و کمال العقل أیضا له مراتب و درجات فالاکمال المذکور فی الحدیث أعلى درجة مما یتوقف علیه التکلیف ألا ترى ان النبی و الأئمة علیهم السّلام کانوا یحکمون على أهل زمانهم بأحکام الشریعة مع ان المعلوم من حالهم و حال أهل کل زمان انهم فی غایة التفاوت فی العقول و لا یخصون الأحکام التکلیفیة بأهل الدرجة العالیة فی العقل و وجه إکمال العقل اما ان یکون تفضلا من اللّه على بعض العباد بواسطة عملهم الصالح أو تفضلا محضا أو بتوفیقهم للعمل بمقتضى ما وهبهم من العقل.

و یشیر الى ذلک ما فی الحدیث القدسی و انه لیتقرب الى بالنوافل حتى أحبه‌ فإذا أحبته کنت سمعه الذی یسمع به الحدیث. فیرجع الى الاختبار من العبد الطاعة فالعقل یکون ناقصا على الأول بالنسبة الى عدم العمل بمقتضاه و على الثانی بالنسبة الى ما أضیف إلیه من العقل الکامل و فی هذا الحدیث إشارة إلى تعلق التکلیف بالعقل و صاحبه قبل إکماله و یأتی تأویل هذا الحدیث إن شاء اللّه.

 

و ثامنها: ان العقل لم یثبت انه من جملة أهل التکلیف فما وجه قوله إیاک آمر و إیاک أنهى إلخ ثم ان اختصاصه المستفاد من تقدیم المعمول غیر واضح فکثرة الأوامر و النواهی المتوجهة إلى غیره و الثواب و العقاب الذین یستحقهما غیره و ان کان قصرا إضافیا بالنسبة الى من لیس بمکلف فما مزیته على المکلفین.

و الجواب: لا شبهة ان العقل کان مکلفا فی ذلک الوقت بالإقبال و الأدبار و قد ثبت ذلک بهذه الأحادیث و هو کاف و یحتمل کونه مکلفا بغیر ذلک أیضا من تحصیل المعارف و الاعتقادات و لا بعد فی استمرار تکلیفه بمثل ذلک و اما الاختصاص فقد یکون قصرا حقیقیا فی ذلک الوقت أو یکون الحصر مخصوصا بالأمر و النهى المذکورین.

و یحتمل ان یکون وجهه ان العقل علم انه مناط التکلیف، و انه حجة اللّه الباطنة على العباد فظن انه بذلک خارج من تعلق التکلیف به فنبهه تعالى على فساد الظن  بالنص على توجه الأمر و النهى المذکورین إلیه خاصة.

و یحتمل ان یکون من باب وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ اى أهل القریة یعنی انما یتوجه التکلیف و الأمر و النهى و الثواب الى أهل العقل فکأن العقل هو المخصوص بذلک و ربما یقرب هذا الإتیان بصیغة المضارع دون الماضی و ان کانت هذه العبارة قد تستعمل فیما تقدم من الأمر و نحوه کما إذا أمرت شخصا ثم قلت له إیاک أعنی فإن ما قارب الحال من الماضی یمکن إدخاله فی حکم الحال إذ هو فی الحقیقة اجزاء‌ من أواخر الماضی و أوائل المستقبل و ان لم یتم ذلک حقیقتا فمجازا.

و تاسعها: ان هذا معارض بما ورد فی غیره من أحادیث العقل بک آخذ و بک اعطى و بک أثیب و بک أعاقب و هذا تضمن انه هو المخصوص بذلک.

و الجواب: لا منافاة فی ان یکون العقل مکلفا بتکلیف خاص و یکون هو للمکلفین دلیلا على التکلیف و مناطا له و کل من الفریقین یؤمر و ینهى و یعاقب و یثاب وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فلیس المراد ان العقل یثاب و یعاقب بفعل صاحبه قطعا و لعل الکلینی قدس سره لاحظ إیراد ما یدل على التکلیف العقل نفسه أولا ثم ما یدل على انه شرط التکلیف ثانیا.

و بالجملة فلا معارضة بین الأحادیث هنا و لا منافاة و على تقدیر الإضمار فی الحدیث المذکور و أمثاله یتحد مضمون الأحادیث لکنه تقدیر لا ضرورة إلیه لاستقامة المعنى بدونه.

و عاشرها:

و حادی عشرها: ان العقل إذا کان من المجردات کما قیل فلا یتصور تعلق الثواب و العقاب به و ان جعل متشکلا بشکل لیمکن تعلق الثواب و العقاب فذلک الشکل لا یستحق ثوابا و لا عقابا.

و الجواب: ان اللّه قادر على أن یوصل الیه ثوابا و عقابا بما یناسبه بل قد وقع ذلک بالفعل کما دل علیه حدیث جنود العقل و الجهل فإنه ظاهر واضح فی ذلک و لم یثبت تجرد العقل.

و ثانی عشرها: ان اللّه سبحانه کان عالما بطاعة العقل فلا وجه للأمر.

و الجواب: انه تعالى عالم بطاعة کل مطیع و معصیة کل عاص و مع ذلک یحسن التکلیف إظهارا للطاعة، أو المعصیة لیستحق صاحبها الثواب أو العقاب و لعله من قبیل قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ و إن کان یؤمن منه الشرک لیکون ‌أبلغ فی الأمر للغیر بالطاعة و فی الزجر عن المعصیة و حیث ان العقل بهذه الطاعة الیسیرة حصل له الثواب بهذا الشرف العظیم و الجهل على قیاس ذلک مع انه لو لا هذه المعصیة لکان بمنزلة العقل ففی ذلک من التنبیه و الموعظة ما لا یخفى

و قد استدل بعض المحققین من المعاصرین بحدیث العقل و الجهل على وجوب العمل بالنص. و عدم جواز العمل بخلافه أصلا.  و هو استدلال حسن عند التأمل لکن لا حاجة إلیه لکثرة الأدلة و النصوص الصریحة و اللّه أعلم بحقائق أحکامه و دقائق کلامه.

الفوائد الطوسیة، ص: 42‌

 

  • سلمان علوی

حرّعاملی

عقل

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی